صديقة أم عدوة..!
في الصحراء الواسعة وتحت أشعة الشمس المحرقة عاشت فوق الرمال منذ زمن بعيد مجموعات كثيرة من الأفاعي. كان منها الكبير ومنها الصغير، منها المرقط والملون، ومنها ماكان قاتماً أو بلون الرمال حتى لاتميزه عنها.
وكانت مجموعات الأفاعي تزحف في أرجاء الصحراء تارة باحثة عن فريسة لها، وتارة أخرى هاربة من عدو يطاردها. وفي الصيف عندما تشتد حرارة الصحراء تنسل إلى باطن الرمال لتهرب من وهج الحرارة اللافح الذي يتعبها ويذهب بنشاطها وقوتها حتى تغدو غير قادرة على الحراك.
فكرت جماعة منها أن تهاجر عن أرض الصحراء اللاهبة نحو الواحات الرطبة حيث الظل كثير والطعام وفير. أما جدة الحيات فلم تشجع الجماعة المهاجرة، بل على العكس قالت:
ـ لقد اعتدنا أن نعيش في الصحارى، ولعلي لا أجد في الواحات شروطاً للعيش أفضل. حذار أيتها الحيات... فكم من المفاجآت تنتظركن في الموطن الجديد.
وفي إحدى الواحات الخضراء أخذت الحيات المهاجرة ترتع فرحة في بقعة منها مستمتعة بالطقس العذب وبشروط السكن المريح ناسية موطنها الأول في الصحراء.
حتى أتت مجموعة من فتيان الكشافة وقرروا أن يخيموا فوق أرض الحيات، قال لهم رئيسهم:
ـ أشعلوا بعض النيران المتفرقة من حولكم فهي تطرد الحيوانات الخبيثة.
وما هي إلا دقائق حتى امتد لهيب النار إلى حيث الحيات فخرجت من أوكارها وقد شعرت بالخطر وهي غاضبة ناقمة.
لم تدر الحية الفضية ذات الألوان المتماوجة ماكان من أمر رفيقاتها فقد كانت تلهو مسرورة مع أحد الأطفال الذي عقد معها صداقة، وكانت تحلم بأنها أصبحت ملكة الحيات جميعاً وهو يقول لها:
ـ كم أنت جميلة ياصديقتي الحية. عيناك تبرقان كأنهما جوهرتان نادرتان. وجلدك اللماع الأملس كم هو ناعم. أحب أن أنظر إليك وأنت تنسلين بخفة يتمايل معها جسمك الطويل الرشيق.
قالت الحية الفضية وهي ترفع رأسها عالياً:
ـ شكراً لك يا صديقي... فأنت تقدر جمالي حق قدره... وأنا أعدك بأنني سأظل صديقة وفية لك، وسأبقي أنيابي السامة بعيدة عن جسمك الطري ولاأسبب لك أي أذى.
وبينما هي تنسحب مزهوة حالمة كانت يدا الطفل تمتدان إلى نبتة من الفطر الأبيض الطري مثل قطعة جبن شهية دون أن يدري أنه من الأنواع السامة. فالتفتت الحية ورأت هذا المشهد وإذا بها تعود مسرعة لتنقذه، وما كان منها إلا أن أبرزت نابيها الحادين وغرزت جزءاً منهما في جسم الطفل حتى تسربت كمية صغيرة من السم تعدل من تأثير سموم الفطر.
استلقت الحية متعبة بينما الصبي يسترد أنفاسه ويغمره عرق غزير. لكن من رآه في هذه الحالة وآثار أنياب الحية لاتزال ظاهرة على يده تيقن أنها هي التي غدرت به وآذته، فهجم بعضهم عليها وقتلها.
أما الطبيب فبعد أن قام بفحوصه على الطفل وسأله عما جرى له تأكد أنه لولا هذا السم الذي غرزته الحية في جسمه لما استطاع أن يتغلب على سم الفطر. فسم الأفعى قاتل كما هو بمقدار معين ترياق شاف.
وهكذا انقسم الناس بين صديق للحية وبين عدو لها، واحتارت الأفاعي متى تكون مسالمة وديعة ومتى تفتك بالناس وظلت سمعتها على هذه الحالة... هل هي صديقة أم عدوة !...
طائرة سلمى الورقية..
عندما صعدنا إلى سطح منزلنا الريفي الواطئ، كان أخي (سالم) قد صنع طائرات ورقية كثيرة، وناداني لكي أربطها بالخيوط ثم نطلقها معاً نحو السهل، وبما أنني كنت أشعر بمتعة كبيرة وأنا أراها ترفرف كالفراشات فقدأغلقت أذني عن صوت أختي الذي كان كان يرن في أنحاء البيت وهي تناديني كي ألعب معها. هذه المرة كانت الطائرات من الورق المقوى... لونها أزرق رمادي ... ومصممة بشكل متقن كا لو أنها طائرات حقيقية، وقال (سالم):
ـ انظري هذه ياسلمى أنها من معدن شفاف ورقيق هي أوراق القصدير التي خبأها خالد عندما أتتنا هدية خالنا صالح.
تقول سلمى:
ـ آه... لاتذكرني بالهدية ياسالم... فأنا مقهورة منذ ذلك اليوم. لماذا أخفت أمنا كل تلك الأشياء الجميلة؟
أجاب سالم:
ـ ليس هذا وقته الآن. تعالي الحقي بي إلى السطح قبل أن تفطن أمنا لوجودنا في البيت.
ترد سلمى:
ـ سأذهب معك بشرط...
يقول سالم:
ـ أي شرط؟ كنت ستزعلين لو أطلقت طائرتي دون أن تشاهديها.
تجيب سلمى:
ـ كنت سأزعل... ولكن لماذا لم تعطني أمي قطعة قماش جميلة أخيطها ثوباً؟
قالت هذا بينما يسحبها سالم من يدها... قلبها يرفرف كعصفور... لم يكن لديها مثل هذه الأحاسيس نحو الأشياء... تتذكر جدتها وهي تبتسم، وتقول لها:
ـ أنت تكبرين بسرعة ياسلمى...
وأمها تعاملها على أنها طفلة صغيرة... لكنها أصبحت في سن الحادية عشرة... وأنها قريباً ستنهي دراستها الابتدائية. ومادامت (الضيعة) صغيرة إلى هذا الحدوليس فيها مدرسة ثانوية ولا إعدادية فهي حتماً ستنتقل إلى (البلد)، وستكون مثل ابنة عمها (فرح) التي تعلمت حتى المرحلة الجامعية.
فوق السطح تقف سلمى والسهل يمتد أمامها مثل بساط أخضر جميل... تتمنى لو أنها تطير منه وتزقزق مثل عصفورة... أصبحت لا تحب الألعاب التي تخص الصغار.. لكن قصتها مع الطائرات عجيبة... دائماً تحلم بأنها يوماً ما ستركب طائرة..أو ربما تقودها ، من يدري؟ لم ؟ ألا تقود النساء السيارات ؟ ماالفرق ؟ .. صحيح أن قيادة الطائرة أصعب كما تتصور لكن الأمر واحد. أحلامها ترفعها فوق بلاط السطح خفيفة مثل ريشة في الهواء... تحس أنه ينبت لها جناحان... هل سيطول الزمن حتى يأتي هذا المستقبل الذي يحدثونها عنه؟ أمس كتبت في درس التعبير أنها تريد أن تكون طائراً حراً.
صوت الأم يأتي من بعيد وهي تنادي: سلمى.. سلمى... أين أنت؟
تتنبه سلمى، فتنسحب من حلمها وتهرع نحو أمها.
أمام باب المنزل تستقبل الأسرة الخال الذي عاد من المغترب محملاً بالهدايا والأشواق. ومن بين الهمسات والقبلات والأحاديث كانت سلمى تلتصق بخالها، فقد افتقدته كثيراً، يبادرها فيقول:
ـ هيه... وأنت ياسلمى... متى ستبدأ إجازتك المدرسية؟
تتنهد سلمى وتقول:
ـ ليست المشكلة هي الإجازة ياخالي... إنها المرحلة الدراسية القادمة.
يضحك الخال ويقول:
ـ ومالمشكلة في المرحلة القادمة؟ ألن تذهبي إلى المدرسة من جديد؟
تجيب سلمى:
ـ وأين هي المدرسة... في قريتنا لاتوجد سوى مدرسة ابتدائية واحدة... ألا تعرف ذلك؟
يفكر الخال ويهز رأسه:
ـ هكذا إذن.
سلمى تشرد بعيداً.. الجميع يضحكون ويتحدثون وهم مبتهجون بزيارة القريب الذي كان غائباً.
في زاوية الغرفة الخال والأم يهمسان بحديث لم تسمع منه سلمى ولاكلمة واحدة...
وفجأة يقترب الخال منها وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة بدت معها أسنانه البيضاء، وهو يقول:
ـ ما رأيك ياسلمى أن تذهبي معي أثناء الإجازة في عودتي للمغترب؟
ترد سلمى:
ـ ولكن ياخالي...
يقاطعها:
ـ وقبل افتتاح المدرسة تعودين مع زوجتي وأولادي إلى البلد حيث المدارس متوفرة هناك فتقيمين معهم.
تقفز سلمى فرحة وتقول:
- أحقاً هذا يا خالي .. هل هذا ممكن يا أمي تبتسم الأم وتقول :
ـ ولم لا... أليس هذا حلاً معقولاً؟
تنظر سلمى من النافذة فترى الطائرات الورقية التي أطلقتها مع سالم تكبر وتكبر حتى تملأ السماء، وترتفع عالياً حتى تغيب بين الغيوم. وتسمع دوياً هائلاً ما يلبث أن يخفت تدريجياً، فتتنهد وكأنها أصبحت على مقعد الطائرة أمام نافذة صغيرة جداً ولكنها تطل منها على البحار والجبال والسهول.
يتبع
ومن رغب بأضافة قصص للأطفال .. فليتفضل
فأكيد هناك الكثير مما لم اجده او اقرأه بعد
اصدق امنياتي لكم